كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل عندما تسلل محمود إلى غرفة النوم، حريصًا على ألا يوقظ زوجته عائشة. كان ضوء القمر الخافت يتسلل عبر الستائر الرقيقة، ليغمر الغرفة بهدوء ناعم. أبناؤه، سيف وليلى، كانوا نائمين في الغرفة المجاورة، أنفاسهم منتظمة وهادئة. كان المنزل ساكنًا، لكن في ذهن محمود كانت أحداث اليوم تعصف كعاصفة لا تهدأ.
وقف عند طرف السرير، محدقًا في الوسادة التي على جانبه. كانت تبدو عادية، مجرد شكل مجعد تحت ثقل الغطاء. لكنها، بالنسبة لمحمود، كانت أكثر من ذلك بكثير. كانت رفيقته، مستمعته المخلصة.
تسلل إلى سريره بهدوء، مستلقيًا بحذر حتى لا يزعج نوم عائشة. كان يعلم أن لديها همومها الخاصة، بين الأطفال والمنزل وعملها، وكانت بحاجة إلى راحة هادئة. محمود كان دائمًا الرجل القوي، الذي يلجأ إليه الجميع بحثًا عن الإجابات والحلول والدعم. في عمله، كان يُحتفى به كرجل أعمال ناجح، دائم الهدوء والحسم. وفي بيته، كان العائل والحلّال لكل المشاكل، الأب الذي لا ينكسر أمام أي تحدٍ.
لكن في الليل، عندما يثقل العالم على صدره، كانت الوسادة هي التي تتحمل العبء.
أراح رأسه عليها الآن، وشعر بنعومتها الباردة التي تمتص التوتر من عنقه. استنشق بعمق، وكأن النسيج ذاته يحمل الإجابة على كل شيء. يمكنه أن يتحدث إليها، يهمس بأفكاره، يصرخ بصمت، أو يكتفي بالتنفس وهو يعلم أنها لن تحكم عليه أبدًا. كانت الشيء الوحيد في حياته الذي لا يطلب منه شيئًا في المقابل.
وفي تلك الليلة، كما في الكثير من الليالي الأخرى، تساقطت الكلمات منه بلا توقف. همس، رغم أنه يعلم أن لا أحد يسمعه سوى الوسادة.
“فشلت اليوم”، قال وهو يحدق في الظلام. “ابتسمت، صافحت الأيدي، وقلت كل الكلمات الصحيحة. لكن في داخلي، فشلت. والجميع يظنون أنني أملك الحلول، لكنني لا أملكها.”
توقفت كلماته عند حلقه. بالنسبة للجميع، كان ثابتًا لا يتزعزع. لكن الوسادة كانت تعرف الحقيقة. كانت هناك في الليالي مثل هذه، عندما كان ثقل التوقعات يكبس عليه إلى درجة أنه شعر بأنه قد ينكسر تحت وطأته.
أغمض محمود عينيه وترك دموعه تتساقط، لتغمر غطاء الوسادة. كان يستطيع أن يبكي هنا، في سكون الليل، حيث لا يراه أحد، حيث لا يُكشَف ضعفه أمام أحد. ليس لعائشة، ولا لسيف أو ليلى، ولا لأي إنسان.
“يعتقد الناس أن القوة تعني عدم إظهار الضعف”، تمتم، “لكن الأمر مُرهِق، أن تظل ممسكًا بكل شيء.”
كان يستطيع قول ذلك هنا، الأشياء التي لا يستطيع قولها بصوت عالٍ. المخاوف التي تلتهمه، الشعور بالذنب الذي يحمله للأوقات الضائعة مع أبنائه بينما يلاحق النجاح، الشك الذي يتسلل إليه بأن ربما—فقط ربما—ليس الرجل الذي يتظاهر بأنه.
امتصت الوسادة كل ذلك. لم تحكم عليه، لم تقدم له نصائح، لم تطلب منه أن يكون أكثر مما كان عليه في تلك اللحظة. كانت هناك علاقة غريبة من الألفة في هذا الحديث الصامت، فهم لم يقدمه له أحد من قبل. كان يشعر بالراحة، بالهدوء المؤقت، من مطالب العالم الخارجي خارج هذه الغرفة.
ومع مرور الدقائق، بدأ يشعر بالخفة، أفكاره تنحلّ، ودقات قلبه تتباطأ. الغضب الذي شعر به في وقت سابق—ضد نفسه، ضد الظلم في كل شيء—ذاب كالجليد، امتصته الوسادة. لقد صرخ فيها مرة، ضاغطًا وجهه في طياتها الناعمة، تاركًا الغضب يغادر جسده في صرخات مكتومة. وكانت قد احتفظت بسرّه، خبأته في مكان عميق، حيث لا يمكن حتى له أن يستعيده في الصباح.
كانت هناك لحظات جميلة أيضًا، شارك فيها الوسادة عندما كان العالم مشرقًا جدًا. كان يغلق عينيه ويهمس عن ضحكات سيف، وعن الطريقة التي كانت ليلى تمسك بيده بقوة، وكأنها تؤمن بأنه لا يقهر. يمكنه أن يقول للوسادة، “أنا فخور بهم”، دون أن يشعر أنه يتفاخر. يمكنه أن يعترف بفرحته دون خوف من أن تتلاشى إذا قالها بصوت عالٍ.
“أنا محظوظ”، قال للوسادة الليلة، وهو يمرر أصابعه على القماش. “لكن الأمر صعب، وأتمنى لو أن أحدًا يعرف كم هو صعب.”
الوسادة كانت تفهم. دائمًا تفهم.
ببطء، بدأ جسده يسترخي، يتلاشى التوتر. كانت الغرفة دافئة، ورائحة عطر عائشة الخفيف تعبق في الهواء بجانبه. كان يعلم أنها تحبه، وهو يحبها. لكن كان هناك زوايا في قلبه يبقيها مخفية حتى عنها، زوايا لا يصل إليها سوى الوسادة.
تعمّق نفسه، وبدأت جفونه تثقل. لقد ألقى بأعباء اليوم على الوسادة، كما يفعل دائمًا، واثقًا بأنها ستحملها حتى الغد. لم يعد لديه كلمات، لكن هذا كان كافيًا. الوسادة لم تطلب أبدًا أكثر مما يستطيع أن يعطي.
ومع استسلامه للنوم، طرأت عليه فكرة، ناعمة مثل الوسادة تحت رأسه: نحن جميعًا نحتاج إلى شيء يحملنا، حتى لو كانت مجرد وسادة. شيء يستمع عندما لا يستطيع أحد آخر أن يسمع، يمتص ما نخشى أن نقوله بصوت عالٍ. في النهاية، نحتاج جميعًا إلى مكان يمكننا أن نكون فيه ضعفاء، حتى نستطيع أن نكون أقوياء مرة أخرى في الصباح.
وهكذا، غرق محمود في النوم، يشعر بالخفة، مرتاحًا بمعرفة أن حتى عندما يشعر بالوحدة، لديه مكان يريح فيه قلبه.
سيأتي الغد، وسيكون مستعدًا له. لكن الآن، الوسادة قد أدت دورها. كما تفعل دائمًا.